قَالَ المُصنِّفُ -رحمه الله تعالى-:
[وكلام مثله في ذلك حجة بالغة والسلف لم يكرهوه لمجرد كونه اصطلاحاً جديداً عَلَى معان صحيحة، كالاصطلاح عَلَى ألفاظ لعلوم صحيحة، ولا كرهوا أيضاً الدلالة عَلَى الحق والمحاجة لأهل الباطل، بل كرهوه لاشتماله عَلَى أمور كاذبة مخالفة للحق، ومن ذلك: مخالفتها للكتاب والسنة وما فيه من علوم صحيحة، فقد وعّروا الطريق إِلَى تحصيلها وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها، فهي لحم جمل غث عَلَى رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى، وأحسن ما عندهم فهو في القُرْآن أصح تقريرا، وأحسن تفسيرا، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد كما قيل:
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت            كُتْبُ التناظر لا المغني ولا العمد
يحللون بزعـمٍ منهمُ عقــدا            وبالذي وضعوه زادت العقـد
فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الشبهه والشكوك والفاضل الذكي يعلم أن الشبهه والشكوك زادت بذلك]اهـ.
.
الشرح :
لقد دخل أهل الكلام في هذا الدين كما دخل المنافقون من قبل وأخذوا يهدمون ويفسدون في هذا الدين، فمما أفسدوا في هذا الدين قولهم: إن القُرْآن غير معجز وأنه بإمكان أي إنسان أن يأتي بمثل هذا القُرْآن إلا أن الله صرفهم عنه، وقد سبق هذا مبحث الكلام عَلَى القُرْآن والخلق وقولهم كما قال النظام: إن الخبر لا يقبل إلا إذا رواه جمع عن جمع، وأنكروا خبر الآحاد، يريدون بذلك هدم السنة؛ لأننا إذا اشترطنا في أي حديث أن يرويه جمع عن جمع، وهذا الجمع اختلفوا في تحديده، حتى قيل عن بعضهم: لا بد أن يكون سبعين عن سبعين، ولا يوجد عندنا إلا النادر وقليل جداً الذي يمكن أن يرويه هذا العدد جيل عن جيل إِلَى جيل.